فصل: من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الناس:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم
{بسم الله} الذي قصرت عنه العقول فوقفت، وعجزت العلوم فتحيرت، وتقاصرت المعارف فخجلت، وانقطعت الفهوم فدهشت، وهو بنعت علاته ووصف سنائه وبهائه وعز كبريائه يعلم ولكن الإحاطة في العلم به محال ويرى ولكن الإدراك في وصفه مستحيل، ويعرف ولكن الإشراف في نعته غير صحيح.
قوله جل ذكره: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}.
أعتصِمْ بربِّ الناسِ خالقِهِم وسيَّدِهم.
{مَلِكَ النَّاسِ}.
أي مالكهم جميعهم.
{إِلَهِ النَّاسِ}.
القادِر على إيجادهم.
{مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}.
من حديثِ النَّفْسِ بما هو كالصوتِ الخفيِّ.
ويقال: مِنْ شرِّ الوسواس.
ويقال: من شرِّ الوسوسة التي تكون بين الجِنَّةِ والناس.
و{الخنَّاس} الذي يغيب ويخنس عن ذِكْرِ الله. وهو من أوصاف الشيطان.
{الَّذِى يُوَسْوِسُ في صَدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
قيل: {الناس} يقع لفظها على الجنِّ والإنْسِ جميعًا- كما قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] فسمَّاهم نفرًا، وكما قال: {يعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} [الجن: 6] فسمَّاهم رجالًا.. فعلى هذا استعاذ من الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس، والشيطانُ الذي له تسلُّطٌ على الناسِ كالوسواس؛ فللنَّفْس من قِبَلِ العبد هواجسُ، وهواجِسُ، وهواجِسُ النَّفْسِ ووساوسُ الشيطانِ يتقاربان؛ إذ إن يدعو إلى متابعة الشهوة أو الضلالة في الدين أو إلى ارتكاب المعصية، أو إلى الخصال الذميمة- فهو نتيجة الوساوس والهواجس.
وبالعلم يُمَيَّزُ الإلهام وبين الخواطِر الصحيحة وبين الوساوس.
(ومما تجب معرفته) أن الشيطان إذا دعا إلى محظورٍ فإن خالَفْتَه يَدَعْ ذلك (ثم) يدعوك إلى مععصيةٍ أخرى؛ إذ لا غَرَضَ له إلا الإقامة على دعائك (...) غير مختلفة. اهـ.

.ومن فوائد ابن العربي في السورتين الكريمتين:

قال رحمه الله:
سُورَةُ الْفَلَقِ وَالنَّاسِ فِيهِمَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
المسألة الْأُولَى:
فِي سَبَبِ نُزُولِهِمَا: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلَ إلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَا يَفْعَلُهُ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قال: يَا عَائِشَةُ، أَشْعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْته فِيهِ؟ أَتَانِي مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أحدهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلِيَّ قال الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلِي: مَا شَأْنُ الرَّجُلِ؟ قال: مَطْبُوبٌ.
قال: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قال: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ.
فَقال: فَبماذا؟ قال: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ.
فَجَاءَ الْبِئْرَ وَاسْتَخْرَجَهُ.
انْتَهَى الصَّحِيحُ زَادَ غَيْرُهُ: فَوَجَدَ فِيهَا إحدى عَشْرَ عُقْدَةً، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ إحدى عَشْرَ آيَةً، فَجَعَلَ كُلَّمَا قرأ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، حَتَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ، وَقَامَ كَأَنَّمَا أَنْشَطُ مِنْ عِقال.
أَفَادَنِيهَا شَيْخُنَا الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بن علي بْنُ بَدْرَانَ الصُّوفِيُّ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ}: رُوِيَ أَنَّهُ الذَّكَرُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ اللَّيْلُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ الْقَمَرُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَوَجْهُ أَنَّهُ الذَّكَرُ أَوْ اللَّيْلُ لَا يَخْفَى.
وَوَجْهُ أَنَّهُ الْقَمَرُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَعِبَادَتِهِ وَاعْتِقَادِ الطَّبَائِعِيِّينَ أَنَّهُ يَفْعَلُ الْفَاكِهَةَ أَوْ تَنْفَعِلُ عَنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ إذَا طَلَعَ بِاللَّيْلِ انْتَشَرَتْ عَنْهُ الْحَشَرَاتُ بِالْإذَايَاتِ، وَهَذَا يَضْعُفُ لِأَجْلِ انْتِشَارِهَا بِاللَّيْلِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِشَارِهَا بِالْقَمَرِ.
وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا يُغْنِي عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.
المسألة الثَّالِثَةُ:
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أُنْزِلَتْ على آيَاتٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُنَّ، فَذَكَرَ السُّورَتَيْنِ: الْفَلَقَ، وَالنَّاسَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ قالتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْت أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا».
قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: كَيْفَ يَنْفُثُ؟ قال: يَنْفُثُ عَلَى يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
وَقال ابْنُ وَهْبٍ: قال مَالِكٌ: هُمَا مِنْ القرآن.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ.
قال الإمام الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَا شَرَطْنَا فِي عُلُومِ القرآن حَسَبَ الْإِمْكَانِ عَلَى حَالِ الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى عَوَارِضَ لَا تُعَارِضُ مَا بَيْنَ مَعَاشٍ يُرَاشُ، وَمُسَاوَرَةِ عَدُوٍّ أَوْ هَرَاشٍ، وَسَمَاعٍ لِلْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ دِفَاعٌ، وَطَالِبٍ لابد مِنْ مُسَاعَدَتِهِ فِي الْمَطَالِبِ، إلَى هِمَمٍ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَقْطَارِ قَاصِرَةٍ، وَأَفْهَامٍ مُتَقَاصِرَةٍ، وَتَقَاعُدٍ عَنْ الِاطِّلَاعِ إلَى بَقَاءِ الِاسْتِبْصَارِ، وَاقْتِنَاعٍ بِالْقِشْرِ عَنْ اللُّبَابِ، وَإِقْصَارٍ وَاجْتِزَاءٍ بِالنُّفَايَةِ عَنْ النُّقَاوَةِ، وَزُهْدٍ فِي طَرِيقِ الْحَقَائِقِ، بِيَدِ أَنَّهُ لَمْ يَسَعْنَا وَالْحَالَةَ هَذِهِ إلَّا نَشْرُ مَا جَمَعْنَاهُ، وَنَثْرُ مَا وَعَيْنَاهُ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِمْ وَلَا تَبْلُغُهُ إحَاطَتُهُمْ.
وَكَمُلَ الْقول الْمُوجَزُ فِي التَّوْحِيدِ وَالْأَحْكَامِ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، مِنْ عَرِيضِ بَيَانِهِ، وَطَوِيلِ تِبْيَانِهِ، وَكَثِيرِ بُرْهَانِهِ، وَبَقِيَ الْقول فِي عِلْمِ التَّذْكِيرِ وَهُوَ بَحْرٌ لَيْسَ لِمَدِّهِ حَدٌّ، وَمَجْمُوعٍ لَا يَحْصُرُهُ الْعَدُّ، وَقَدْ كُنَّا أَمْلَيْنَا عَلَيْكُمْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا لَوْ قُيِّضَ لَهُ تَحْصِيلٌ لَكَانَتْ لَهُ جُمْلَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَلَمَّا ذَهَبَ بِهِ الْمِقْدَارُ، فَسَيَعْلَمُ الْغَافِلُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارُ.
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنْ الْحَمَدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قال الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: انْتَهَى الْقول فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ. اهـ.

.قال التستري:

قوله تعالى: {مِن شَرِّ الوسواس الخناس} [4]
قيل لسهل: ما الوسوسة؟ فقال: كل شيء دون الله تعالى فهو وسوسة، وإن القلب إذا كان مع الله تعالى فهو قائل عن الله تعالى، وإذا كان مع غيره فهو قائل مع غيره.
ثم قال: من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة، ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء، وهو ذكر الطبع، فوسوسة العدو في الصدور.
كما قال: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس مِنَ الجنة والناس} [5-6] يعني في صدور الجن والإنس جميعًا، ووسوسة النفس في القلب.
قال الله تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا، وأسر العدو معرفته، فإذا عرفته فقد أسرته، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب، فالصياد إبليس، والطير العبد، والحبوب الدنيا، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، فإن كنت صائمًا فأردت أن تفطر قال لك: ما يقول الناس، أنت قد عُرفت بالصوم تركت الصيام.
فإن قلت: ما لي وللناس.
قال لك: صدقت أفطر، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت.
قال: ما يقول الناس، تركت العزلة.
فإن قلت: ما لي وللناس.
قال: صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة.
وكذلك في كل شيء من أمرك، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس.
ولقد حكي أن رجلًا من العباد كان لا يغضب، فأتاه الشيطان وقال: إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك.
ففطن به العابد فقال: وكيف يجيء الغضب؟ قال: آتيك بشيء فأقول: لمن هو؟ فقل: هو لي، فأقول: بل هو لي.
فأتاه بشيء وقال العابد: هو لي، فقال الشيطان: لا بل هو لي.
فقال العابد: إن كان لك فاذهب به، ولم يغضب، فرجع الشيطان خائبًا حزينًا، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته، فعرفه واتقى غرورة.
ثم قال سهل: عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة، وإياك والتدبير فإنه داء النفس، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار، وعليك بالقنوع والرضا، فإن العيش فيهما، وإياك والائتمار على غيرك، فإنه لينسيك نفسك، وعليك بالصمت، فأنت تعرف الأحوال فيه، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك، وإذا صليت فاجعلها وداعًا، وخف الله يؤمنك وارجهُ يؤملك، واتكل عليه يَكفِك، وعليك بالخلوة تنقطع الآفات عنك.
ولقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: لولا مخافة الوسواس لرحلت إلى بلاد لا أنيس بها، وهل يفسد الناس إلا الناس.
ثم قال سهل: مخالطة الولي بالناس ذل، وتفرده عزّ، وما رأيت أولياء الله تعالى إلا منفردين، إن عبد الله بن صالح رحمه الله كان رجلًا له سابقة جليلة وموهبة جزيلة، وكان يفرّ من بلد إلى بلد، حتى يأتي مكة، فطال بها مقامه، فقلت له: لقد طال مقامك بها.
فقال: ولم لا أقيم بها، ولم أر بقعة ينزل فيها من الرحمة والبركة مثلها يطوف الملائكة حول البيت غدوًا وعشية على صور شتى، لا يقطعون ذلك، وإن فيها عجائب كثيرة، ولو قلت كلما رأيت لصغرت عنه قلوب أقوام ليسوا بمؤمنين.
فقلت: أسألك بحق الحق أن تخبرني بشيء من ذلك.
فقال: ما من ولي لله تعالى صحّت ولايته إلا وهو يحضر في هذه البلد في كل ليلة جمعة، ولقد رأيت رجلًا يقال له مالك بن القاسم الجبلي رحمه الله تعالى ليلة هاهنا ورايت على يده غمرًا فقلت: إنك لقريب العهد بالأكل.
فقال: أستغفر الله فإني منذ أسبوع لم أطعم شيئًا، ولكني أطعمت والدتي وأسرعت لأدرك صلاة الفجر هاهنا جماعة، وبين مكة وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ، فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت: بلى.
فقال: الحمد لله الذي أراني مؤمنًا مؤمنًا.
وقال ابن سالم: كنت عند سهل رحمه الله تعالى، فأتاه رجلان بعد صلاة العصر، وجعلا يحدثانه، فقلت في نفسي: لقد أبطأا عنده، وما أراهما يرجعان في هذا الوقت، وذهبت إلى منزلي لأهيئ لهما عشاء، فلما رجعت إليه لم أر عنده أحدا، فسألت عن حالهما، فقال: إن أحدهما يصلي المغرب بالمشرق، والآخر بالمغرب، وإنما أتياني زائرين.
ولقد دخل سهل على رجل من عباد البصرة، فرأى عنده بلبلة في قفص، فقال: لمن هذه البلبلة؟ فقال: لهذا الصبي، كان ابنًا له، قال: فأخرج سهل من كمه دينار فقال: بني أيما أحب إليك الدينار أم البلبلة؟ فقال: الدينار.
فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة.
قال: فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل، فجعل يرفرف فوق رأسه، حتى دخل سهل داره، وكان في داره سدرة فسكنت البلبلة السدرة، فلم تزل فيها حتى مات، فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون، حتى جاؤوا بها إلى قبره، فوقفت في ناحية حتى دفن وتفرق الناس عن قبره، فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت، فدفنت بجنبه.
والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

سورة الناس:
وَقال رَحِمَهُ اللَّهُ:
فَصْلٌ: فِي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} إلَى آخِرِهَا:
قوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} فِيهَا أَقْوَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ إلَّا قوليْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّالِثَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ أَنَّ قوله مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ لِبَيَانِ الْوَسْوَاسِ أَيْ الَّذِي يُوَسْوِسُ مِنْ الْجِنَّةِ وَمِنْ النَّاسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ تعالى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقول غُرُورًا وَإِيحَاؤُهُمْ هُوَ وَسْوَسَتُهُمْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُوَسْوَسِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَتِرًا عَنْ الْبَصَرِ؛ بَلْ قَدْ يُشَاهِدُ قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقال مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} وَهَذَا كَلَامُ مَنْ يَعْرِفُ قَائِلَهُ لَيْسَ شَيْئًا يُلْقَى فِي الْقَلْبِ لَا يَدْرِي مِمَّنْ هُوَ وَإِبْلِيسُ قَدْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ آدَمَ وَهُوَ وَنَسْلُهُ يَرَوْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُمْ وَأَمَّا آدَمَ فَقَدْ رَاه.